بقلم : عبد القادر العفسي
18 أكتوبر 2019
لم تعد الوطنية مرتبطة فقط بوثيقة المطالبة بالاستقلال ؛ و لم تعد الوطنية محصورة بأداء النشيد الوطني ؛ و لم تعد الوطنية متجسدة فقط برفع صور جلالة الملك ، إنّ الوطنية المغربية التي جعلت شعارها ” الله- الوطن- الملك ” لم تكن تروم الاكتفاء بالمظاهر و لكن كانت تقصد عمق ما تشمله هذه الكلمات الثلاث و بعدها الديني و الهوياتي و السياسي .
إن الامعان في الشعار المقدس للكينونة المغربية يقتضي بناء و وطنية صادقة قائمة على البعد العقائدي الانساني الاسلامي المتسامح الوسطي نظرية وممارسة و الذي طوره المغاربة منذ قرون للتصدي لبراثن الفقه البدوي الوهابي و لانحرافاته الارهابية و عمله الدؤوب على خلق وهم لدى الشعوب ، فتتغنى بأنها الأفضل لمجرد أننا مسلمون ، نعم ، إنه فكر اتكالي توهمي ، و إلاّ لماذا نرى الوهابين يهرولون كل صيف إلى جنات لندن و باريس و روما … فهل هربا من نارهم ..؟
نعم ، إن المغرب هذه الجغرافيا التي تتماهى مع المغاربة ، هذه الجغرافيا التي جعلت لنا تاريخ قديم في التواصل و التعايش و قبول الآخر ، فلم تكن بلاد المغرب أبدا معزولة كبوادي شبه الجزيرة ، بالتالي فالتاريخ و الطبيعة و الانتاج الانساني في بلدنا لم تكن ماهيته لغة خشبية مع محيطه بل امتلك حرية القرار و السيادة و التفكير ببدائل متحركة حية للحياة الكريمة ، و داخل مجاله كانت له بدائل منفصلة عن الشرق في القدرة على المبادرة و التعدد متجسدة بغياب الاضطهاد أو حروب الهويات من منطلقات و مبادئ وطنيته و مبدأ الانصاف و العدل مما استعصى على كل المشاريع الدموية أن تستوطن أو توطن نفسها لتبذر بذور العداء أو تقسيم الدولة أو تدمر الهوية بين ما يجمع كل الأطراف على الجامع الوطني لنا كمغاربة في ثالوثه.
أما اختيار المغاربة لنظام ملكي فهذا ليس غريبا عليهم ، فنحن كنا دائما لدينا ” أكليد” و “السلطان ” و ملك وهذا من فضل الله على هذا الوطن و من عبقرية هذا الشعب الذي آمن أنه لو كانت آلهة عديدة لفسد الأمر كله ، بهذا المعنى فإن الوطنية ليست شيء يورث بل هي شيء متجدد يجب بثه في النفوس والأجيال عوض تكريس نمطية ربط هذا المصطلح بالاستعمار و المقاومة ، بالتالي أليس هناك الآن رجال و نساء وطنيون يعملون ، يكدون ، يبدعون … يقدمون من أجل هذا الوطن ؟ بلى ، موجودون ، لكن هو فقط زمن التيه نفتقد الى البوصلة لتجديد روح ” طريق الوحدة ” حتى أضحت الأجيال الشابة تتلاعب بها مافيات المخدرات و القرقوبي … و المثال لهم هو من يحمل أكبر سيف و يخرج ل ” يشرمل ” المواطنين من عباد الله .
نحن في حاجة الى الادراك بوطنيتنا التى هي أساس انتمائنا الى المواطنة التي تعترف بالإنسان ، نحن بحاجة الى تلقيح السياسة و مؤسسات الدولة في التساوي أمام القانون ، نحن في حاجة أن نحيا مختلفين مع وجهة نظرنا و حقنا في الحياة بدل التمركز على الذات كأن الحقيقة نعيشها وحدنا ، نحن في حاجة ليعمل ” رجال البلاد ” على دعم كل المناهج و المبادرات و الخيارات التي من شأنها إعلاء قيم الوطنية و الانتماء و الافتخار بكينونتنا و بوجداننا ، رغم الصعاب و هي قاسية ، رغم الظروف و هي بائسة و تيئس ، لأن هذا الوطن ليس فرصة للاغتناء بل هو قدر محتوم و جغرافيا تمتد في عروقنا ، و هذا الدين هو رسالة ايمانية رحمة للعالمين و ليس سوط العذاب ، و هذا النظام الملكي المتجدر فينا وفي شمال افريقيا يجعل كل المغاربة يحسون أنهم ملوك ..
نعم ، بهذه المشاعر يمكننا أن ننجز ، بهذه الأحاسيس الانسانية نمضى في الزمن خالدين و ليس بالانتخابات فقط بل عمل يومي ، و الوطن ليس مزرعة تحويل الانتاج و الملك للجميع و فوق الجميع ، فإن كان أحد على استعداد ليعلنها بطرق مباشرة لبساطتها لأنها تؤسس للعمل المشرك و الانسجام فهي تحفظ الاختلاف و الكرامة بشرط أن تكون وحدة في الموضوع : الوطن .
و حفظ الله المغرب
0 comments:
إرسال تعليق